الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***
(قوله: وسننه أن يغسل يديه وفرجه ونجاسة لو كانت على بدنه ثم يتوضأ ثم يفيض الماء على بدنه ثلاثا) لما روى الجماعة عن ميمونة قالت: «وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم ماء يغتسل به فأفرغ على يديه فغسلهما مرتين أو ثلاثا ثم أفرغ بيمينه على شماله فغسل مذاكيره ثم دلك يده بالأرض ثم تمضمض واستنشق ثم غسل وجهه ويديه ثم غسل رأسه ثلاثا ثم أفرغ على جسده ثم تنحى عن مقامه فغسل قدميه» فهذا الحديث مشتمل على بيان السنة والفريضة فاستفيد منه استحباب تقديم غسل اليدين وعللوا بأنهما آلة التطهير فيبتدأ بتنظيفهما واستحباب تقديم غسل الفرج قبلا أو دبرا سواء كان عليه نجاسة أو لا كتقديم الوضوء على غسل الباقي سواء كان محدثا أو لا وبه يندفع ما ذكره الزيلعي بأنه كان يغنيه أن يقول ونجاسة عن قوله وفرجه لأن الفرج إنما يغسل لأجل النجاسة. ا هـ. ولأن تقديم غسل الفرج لم ينحصر كونه للنجاسة بل لها أو؛ لأنه لو غسله في أثناء غسله ربما تنتقض طهارته عند من يرى ذلك كما أشار إليه القاضي عياض والخروج من الخلاف مستحب عندنا واتفق العلماء على عدم وجوب الوضوء في الغسل إلا داود الظاهري فقال بالوجوب في غسل الجنابة وإذا توضأ أولا لا يأتي به ثانيا بعد الغسل فقد اتفق العلماء على أنه لا يستحب وضوءان ذكره النووي في شرح مسلم يعني لا يستحب وضوءان للغسل أما إذا توضأ بعد الغسل واختلف المجلس على مذهبنا أو فصل بينهما بصلاة كما هو مذهب الشافعي فيستحب، وفي الحديث أيضا استحباب أن يدلك المستنجي بالماء يده بالتراب أو بالحائط ليذهب الاستقذار منها، وفيه استحباب تقديم غسل الرأس في الصب، وقد اختلف فيه فقال الحلواني يفيض الماء على منكبه الأيمن ثلاثا ثم الأيسر ثلاثا ثم على سائر جسده وقيل يبدأ بالأيمن ثم بالأيسر ثم بالرأس، وقيل يبدأ بالرأس، وهو ظاهر لفظ الهداية وظاهر حديث ميمونة المتقدم، وبه يضعف ما صححه صاحب الدرر والغرر من أنه يؤخر الرأس وكذا صححه في المجتبى، وفي قوله ثم يتوضأ إشارات الأولى: أنه يمسح رأسه في هذا الوضوء، وهو الصحيح؛ لأنه روي في بعض الروايات: «أنه صلى الله عليه وسلم توضأ وضوءه للصلاة»، وهو اسم للغسل والمسح وفي البدائع أنه ظاهر الرواية الثانية أنه لا يؤخر غسل قدميه، وفيه خلاف ففي المبسوط والهداية أنه يؤخر غسل قدميه إذا كان في مستنقع الماء أي مجتمعه ولا يقدم وعند بعض مشايخنا، وهو الأصح من مذهب الشافعي أنه لا يؤخر مطلقا وأكثر مشايخنا على أنه يؤخر مطلقا وأصل الاختلاف ما وقع من روايتي عائشة وميمونة ففي رواية عائشة أنه توضأ وضوءه للصلاة، ولم يذكر فيها تأخير القدمين فالظاهر تقديم غسلهما، فأخذ بهذه الشافعي وبعض مشايخنا لطول الصحبة والضبط في الحديث، وفي رواية ميمونة صريحا تأخير غسلهما فأخذ به أكثر مشايخنا لشهرتها، وفي المجتبى الأصح التفصيل، وهو المذكور في الهداية، ووجه التوفيق بين الروايتين بحمل ما روت عائشة على ما إذا لم يكن في مجتمع الماء وحمل ما روت ميمونة على ما إذا كان في مجتمع الماء والظاهر أن الاختلاف في الأولوية لا في الجواز فقول المشايخ القائلين بالتأخير أنه لا فائدة في تقديم غسلهما ؛ لأنهما يتلوثان بالغسلات بعد فيحتاج إلى غسلهما ثانيا معناه أنه لا تحصل الفائدة الكاملة في تقديم غسلهما، وإنما قلنا هذا؛ لأنه لو قدم غسلهما ولم يغسلهما ثانيا خرج عن الجنابة وجازت صلاته على ما هو المفتى به؛ لأن الماء الذي أصابهما من الأرض المجتمع فيها الغسلات مستعمل والماء المستعمل طاهر على المفتى به، وليس الذي أصاب قدميه من صبه على بقية بدنه غير ما اجتمع في الأرض مستعملا أما على رواية عدم التجزي فظاهر، وأما على رواية التجزي فلا يوصف هذا الماء بالاستعمال إلا بعد انفصاله عن جميع البدن فالماء الذي أصاب القدمين غير مستعمل؛ لأن البدن كله في الغسل كعضو واحد حتى يجوز نقل البلة فيه من عضو إلى آخر فحينئذ لا حاجة إلى غسلهما ثانيا إلا على سبيل التنزه والأفضلية لا اللزوم؛ لأن الماء المستعمل الذي أصابه من مجتمع الغسلات وإن كان طاهرا فقد انتقل إليه الحدث حتى تعافه الطباع السليمة، وقد صرح به الهندي فقال: وهذا إنما يتأتى على رواية نجاسة الماء المستعمل أيضا، ويدل على هذا ما ذكره في المحيط بقوله، وإنما لا يغسل رجليه؛ لأن غسلهما لا يفيد؛ لأنهما يتنجسان ثانيا باجتماع الغسلات فعلم منه أنه على رواية نجاسة الماء المستعمل وعليها فمعنى قولهم لا يفيد أنه لا يفيد فائدة تامة، وإلا فقد أفاد التقديم فائدة، وهي حل القرآن ومس المصحف وإن كانت قدماه متنجستين بالماء المستعمل، وبهذا ظهر فساد ما ذكره ابن الملك في شرح المجمع من أن عدم الفائدة على رواية عدم التجزي أما على رواية التجزي فغسلهما مفيد؛ لأن الجنابة تزول عن رجليه إذا غسلهما في الوضوء ويكون طاهرا في مجتمع الماء بعد غسل سائر جسده، فإنه فهم من رواية عدم التجزي أنه لو غسل رجليه أولا ثم غسل باقي بدنه يجب عليه إعادة غسل رجليه لأجل عدم ارتفاع الجنابة عنهما، وهذا ذهول عظيم وسهو كبير، فإنهم اتفقوا على أن فرض غسل القدمين قد سقط بتقديمه ولكن هل زالت الجنابة عنهما أو هو موقوف على غسل الباقي فرواية التجزي قائلة بالأول ورواية عدم التجزي قائلة بالثاني لا أنها قائلة بوجوب إعادة غسل الرجلين وفائدة اختلاف الروايتين أنه لو تمضمض الجنب أو غسل يديه هل يحل له قراءة القرآن ومس المصحف فعلى رواية التجزي يحل له لزوال الجنابة عنه وعلى رواية عدم التجزي لا يحل له لعدم الزوال الآن وقد صحح المشايخ هذه الرواية وقد اندفع بما ذكرنا أيضا ما استشكله بعض المحشين من زوال الجنابة بصب الماء من الرأس كما هو العادة على رواية التجزي وقال كما لا يخفى ولم يجب عنه، وهو سهو منه وسوء فهم، فإنهم اتفقوا على أن البدن في الغسل كعضو واحد واتفقوا على أن الماء لا يصير مستعملا إلا بعد الانفصال عن العضو فعلى رواية التجزي لا يصير مستعملا إلا إذا انفصل عن جميع البدن، وإن زالت الجنابة عن كل عضو انفصل عنه الماء، وهذا ظاهر لا يخفى، والذي يظهر أن القائلين بالتأخير إنما استحبوه ليكون الافتتاح والاختتام بأعضاء الوضوء أخذا من حديث ميمونة قال القاضي عياض في شرح مسلم وليس فيه تصريح بل هو محتمل؛ لأن قولها توضأ، وضوءه للصلاة الأظهر فيه إكمال وضوئه وقولها آخرا ثم تنحى فغسل رجليه يحتمل أن يكون لما نالهما من تلك البقعة ا هـ. فعلى هذا يغسلهما بعد الفراغ من الغسل مطلقا أعني سواء غسلهما أو لا إكمالا للوضوء أو لم يغسلهما وسواء أصابهما طين أو كانتا في مستنقع الماء المستعمل أو لم يكن شيء من ذلك ثم لا يخفى تعين غسلهما في حق الواحد منا بعد الفراغ من الغسل إذا كانتا في مستنقع الماء، وكان على البدن نجاسة من مني أو غيره والله سبحانه وتعالى أعلم وفي الذخيرة نقلا عن العيون خاض الرجل في ماء الحمام بعد ما غسل قدميه فإن لم يعلم أن في الحمام جنبا أجزأه أن لا يغسل قدميه، وإن علم أن في الحمام جنبا قد اغتسل يلزمه أن يغسل قدميه إذا خرج قال رحمه الله: في واقعاته وعلى ما اخترناه في الماء المستعمل ينبغي أن لا يلزمه غسل القدمين لكن استثنى الجنب في الكتاب، فإنه موضع الاستثناء وغيره قال إنما استثنى الجنب؛ لأن الجنب يكون على بدنه قذر ظاهرا وغالبا حتى لو لم يكن كان الماء المستعمل للمحدث والجنب سواء ويكون طاهرا على رواية محمد ولا يلزمه غسل الرجلين، وهو الظاهر ا هـ. وفي بقية حديث ميمونة: «ثم أتيته بالمنديل فرده» قال النووي: فيه استحباب ترك تنشيف الأعضاء وقال الإمام لا خلاف في أنه لا يحرم تنشيف الماء عن الأعضاء ولا يستحب ولكن هل يكره فيه خلاف بين الصحابة وقال القاضي: يحتمل رده للمنديل لشيء رآه أو لاستعجاله في الصلاة أو تواضعا أو خلافا لعادة أهل الترفه ويكون الحديث الآخر في أنه كانت له خرقة يتنشف بها عند الضرورة وشدة البرد ليزيل برد الماء عن أعضائه ا هـ. والمنقول في معراج الدراية وغيرها أنه لا بأس بالتمسح بالمنديل للمتوضئ والمغتسل إلا أنه ينبغي أن لا يبالغ ويستقصي فيبقى أثر الوضوء على أعضائه ولم أر من صرح باستحبابه إلا صاحب منية المصلي فقال ويستحب أن يمسح بمنديل بعد الغسل الإشارة الثالثة أن جميع السنن والمندوبات في الوضوء ثابتة في هذا الوضوء والغسل فتسن النية ويندب التلفظ بها. قال في البدائع، وأما آداب الغسل فهي آداب الوضوء لكن يستثنى منه أن من آداب الوضوء استقبال القبلة بخلاف الغسل؛ لأنه يكون غالبا مع كشف العورة بخلاف الوضوء كذا في شرح منية المصلي ومن مكروهاته الإسراف وتقدم تفسيره؛ ولهذا قدر محمد رحمه الله في ظاهر الرواية الصاع للغسل، والمد للوضوء، وهو تقدير أدنى الكفاية عادة وليس بتقدير لازم حتى إن من أسبغ بدون ذلك أجزأه، وإن لم يكفه زاد عليه؛ لأن طباع الناس وأحوالهم تختلف كذا في البدائع ونقل النووي الإجماع على عدم لزوم التقدير، وفي الخلاصة، والأفضل أن لا يقتصر على الصاع في الغسل بل يغتسل بأزيد منه بعد أن لا يؤدي إلى الوسواس، فإن أدى لا يستعمل إلا قدر الحاجة ا هـ. ولا يخفى ما فيه، فإن ظاهره أنه يزيد على الصاع، وإن لم يكن به حاجة مع أن الثابت في صحيح مسلم: «أنه صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد» وفي البخاري: «اغتساله صلى الله عليه وسلم بالصاع» من رواية جابر وعائشة كما نقله النووي في شرح المهذب فكان الاقتصار على ما فعله صلى الله عليه وسلم أفضل إذا اكتفى به وقد قالوا إن مكث في الماء الجاري قدر الوضوء والغسل فقد أكمل السنة، وإلا فلا. ا هـ. ويقاس على ما لو توضأ في الحوض الكبير أو وقف في المطر كما لا يخفى. (قوله: ولا تنقض ضفيرة إن بل أصلها) أي ولا يجب على المرأة أن تنقض ضفيرتها إن بلت في الاغتسال أصل شعرها والضفيرة بالضاد المعجمة الذؤابة من الضفر، وهو فتل الشعر وإدخال بعضه في بعض ولا يقال بالظاء والأصل فيه ما رواه مسلم وغيره عن أم سلمة «قالت: قلت: يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة فقال: لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين وفي رواية أفأنقضه للحيض والجنابة» وفي حديث عائشة بنحو معناه قال في فتح القدير: ومقتضى هذا الحديث عدم وجوب الإيصال إلى الأصول لكن قال في المبسوط، وإنما شرط تبليغ الماء أصول الشعر لحديث حذيفة، فإنه كان يجلس إلى جنب امرأته إذا اغتسلت ويقول يا هذه أبلغي الماء أصول شعرك وشؤون رأسك وهو مجمع عظام الرأس ذكره القاضي عياض وأورد صاحب المعراج أن حديث أم سلمة معارض للكتاب. وأجاب تارة بالمنع، فإن مؤدى الكتاب غسل البدن والشعر ليس منه بل متصل به نظرا إلى أصوله فعلمنا بمقتضى الاتصال في حق الرجال حتى قلنا يجب النقض على الأتراك والعلويين على الصحيح، ويجب عليها الإيصال إلى أثناء شعرها إذا كان منقوضا لعدم الحرج وبمقتضى الانفصال في حق النساء دفعا للحرج إذ لا يمكنهن حلقه وتارة بأنه خص من الآية مواضع الضرورة كداخل العينين فيخص بالحديث بعده وأما أمر عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما بنقض النساء رءوسهن إذا اغتسلن فيحتمل أنه أراد إيجاب ذلك عليهن في شعور لا يصل الماء إليها أو يكون مذهبا له أنه يجب النقض بكل حال كما هو مذهب النخعي أو لا يكون بلغه حديث أم سلمة وعائشة ويحتمل أنه كان يأمرهن بذلك على الاستحباب والاحتياط لا على الوجوب كذا ذكره النووي في شرح مسلم وفي الهداية، وليس عليها بل ذوائبها و هو الصحيح وقال بعضهم: يجب بلها ثلاثا مع كل بلة عصرة وفي صلاة البقالي الصحيح أنه يجب غسل الذوائب، وإن جاوزت القدمين والمختار عدم الوجوب كما صرح به في الجامع الحسامي كما نقله عنه في المضمرات للحصر المذكور في الحديث والحاصل أن في المسألة ثلاثة أقوال: الأول: الاكتفاء بالوصول إلى الأصول منقوضا كان أو معقوصا، وهو ظاهر المذهب كما هو ظاهر الذخيرة، ويدل عليه الأحاديث الواردة في هذا الباب الثاني الاكتفاء بالوصول إلى الأصول إذا كان مضفورا ووجوب الإيصال إلى أثنائه إذا كان منقوضا ومشى عليه جماعة منهم صاحب المحيط والبدائع والكافي الثالث وجوب بل الذوائب مع العصر وصحح كما قدمناه، ولو ألزقت المرأة رأسها بالصيب بحيث لا يصل الماء إلى أصول الشعر وجب عليها إزالته وثمن ماء غسل المرأة ووضوئها على الزوج، وإن كانت غنية كذا في فتح القدير فصار كماء الشرب؛ لأن هذا مما لا بد منه وظاهره أنه لا فرق بين غسل الجنابة وغيره من الواجب وذكر في السراج الوهاج تفصيلا في غسل الحيض فقال: إذا انقطع لأقل من عشرة فعلى الزوج لاحتياجه إلى وطئها بعد الغسل، وإن انقطع لعشرة فعليها؛ لأنها هي المحتاجة إليه للصلاة وقد يقال إن ما تحتاج إليه المرأة مما لا بد لها منه واجب عليه سواء كان هو محتاجا إليه أو لا فالأوجه إطلاق ما قدمناه. (قوله: وفرض عند مني ذي دفق وشهوة عند انفصاله) أي وفرض الغسل واختلف المشايخ في سبب وجوبه فظاهر ما في الهداية أن إنزال المني ونحوه سبب له، فإنه قال المعاني الموجبة للغسل إنزال المني إلى آخره وتعقبه في النهاية بأن هذه معان موجبة للجنابة لا للغسل على المذهب الصحيح من علمائنا، فإنها تنقضه فكيف توجبه ورده في غاية البيان بأن المراد أن الغسل يجب بهذه المعاني على طريق البدل، وإنما يتوجه ما اعترض به إذا كانت هذه المعاني موجبة لوجود الغسل لا لوجوبه ورد أيضا بأنها تنقض ما كان وتوجب ما سيكون فلا منافاة. وأجاب في المستصفى أيضا بأن هذه المعاني شروط في الوجوب لا أسباب فأضيف الوجوب إلى الشرط مجازا كقولهم صدقة الفطر؛ لأن السبب يتعلق به الوجود والوجوب والشرط يضاف إليه الوجود فشارك الشرط السبب في الوجود وقال في الكافي، وإنما قال عند مني ولم يقل بمني؛ لأن سبب وجوب الغسل الصلاة أو إرادة ما لا يحل مع الجنابة والإنزال والالتقاء وفي مبسوط شيخ الإسلام سبب وجوب الغسل إرادة ما لا يحل فعله عند عامة المشايخ وتعقبه في غاية البيان بأن الغسل يجب إذا وجد أحد هذه المعاني وجدت الإرادة أولا فكيف يكون سببا وقيل السبب الجنابة ورد أيضا لوجوده في الحيض والنفاس واختار في غاية البيان أن السبب الجنابة أو ما في معناه ليدخل الحيض والنفاس ويرد بما قدمناه في أول الكتاب من أنه يوجد الحدث والجنابة ولا يجب الوضوء والغسل كما إذا كان قبل الوقت، فالأولى أن يقال سببه وجوب ما لا يحل مع الجنابة، وهذا هو الذي اختاره في فتح القدير. اعلم أن الأمة مجمعة الآن على وجوب الغسل بالجماع، وإن لم يكن معه إنزال وعلى وجوبه بالإنزال، وكانت جماعة من الصحابة على أنه لا يجب إلا بالإنزال ثم رجع بعضهم، وانعقد الإجماع بعد الآخرين وفي الباب حديث: «إنما الماء من الماء» مع حديث أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في «الرجل يأتي أهله ثم لا ينزل قال يغسل ذكره ويتوضأ» وفيه الحديث الآخر: «إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل وإن لم ينزل» قال العلماء العمل على هذا الحديث، وأما حديث: «الماء من الماء» فالجمهور من الصحابة ومن بعدهم قالوا إنه منسوخ ويعنون بالنسخ أن الغسل من الجماع بغير إنزال كان ساقطا ثم صار واجبا وذهب ابن عباس وغيره إلى أنه ليس منسوخا بل المراد به نفي وجوب الغسل بالرؤية في النوم إذا لم ينزل، وهذا الحكم باق بلا شك، وأما حديث أبي بن كعب ففيه جوابان أحدهما أنه منسوخ. والثاني: أنه محمول على ما إذا باشرها فيما سوى الفرج كذا ذكر النووي في شرح مسلم لكن عندنا يشترط في وجوب الغسل بالإنزال أن يكون انفصال المني عن شهوة، وهو ما ذكره بقوله عند مني ذي دفق وشهوة يقال دفق الماء دفقا صبه صبا فيه دفع وشدة كذا في المغرب وفي ضياء الحلوم دفق الماء دفقا صبه، ودفق الماء دفوقا يتعدى، ولا يتعدى وعبر عنه في الهداية بقوله إنزال المني على وجه الدفق والشهوة والأولى أن يقال نزول المني دون الإنزال؛ لأنه يلزم من النزول الإنزال دون العكس، فإن من احتلم أو وجد على فخذه يجب عليه الغسل بلا قصد الإنزال ذكره الهندي فعلى هذا التقدير يكون ذكر الدفق اشتراطا للخروج من رأس الذكر، فإنه يقال دفق الماء دفوقا بمعنى خرج من محله بخلاف دفق دفقا، فإنه بمعنى صبه صبا لكن هذا إنما يستقيم على قول أبي يوسف أما عندهما لا يستقيم؛ لأنهما لم يجعلا الدفق شرطا بل تكفي الشهوة حتى قالا بوجوبه إذا زايل المني من مكانه بشهوة وإن خرج بلا دفق كذا في النهاية ومعراج الدراية وغيرهما وأجاب عنه في العناية وغاية البيان بأنه لا حصر في كلامه فلكي يستقيم غايته يلزم ترك بعض موجباته عندهما في موضع بيانها ا هـ. ولا يخفى ما فيه ويمكن أن يقال إن المراد بكون الإنزال على وجه الشهوة أن يكون للشهوة دخل في الإنزال سواء كانت مقارنة أو سابقة عليه مقارنة للانفصال هذا، وعبارة المصنف أشد إشكالا؛ لأنه يرد عليها ما ورد على عبارة القدوري من أنها لا تشمل مني المرأة؛ لأن ماءها لا يكون دافقا كماء الرجل، وإنما ينزل من صدرها إلى فرجها كما ذكره الولوالجي في فتاويه ويرد على عبارة المختصر خاصة التناقض في التركيب؛ لأن اشتراط الدفق يفيد اشتراط خروج المني بشهوة من رأس الذكر وقوله عند انفصاله ينفيه فلو حذف الدفق لكان أولى وقد يقال إن الدفق بمعنى الدفوق مصدر اللازم وقال الشافعي: إن إنزاله موجب للغسل كان عن شهوة أو لا واستدلوا له بقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الماء من الماء» أي الاغتسال من الإنزال، وهو قول محمد وزفر كما نقله في معراج الدراية وفي الذخيرة، وهو مختار بعض المشايخ، واستدل في الهداية لنا بقوله تعالى: {وإن كنتم جنبا فاطهروا}، وهو في اللغة اسم لمن قضى شهوته فكان وجوب الاغتسال معلقا بالجنابة لا بخروج المني وأورد على هذا أن ظاهره الاستدلال بمفهوم الشرط، ولم يجب عنه وقد يقال ليس هذا استدلالا بمفهوم الشرط بل لما كان الحكم معلقا بشرط ولم يوجد كان الحكم معدوما بالعدم الأصلي لا أن عدم الشرط أوجب عدم الحكم، وهذا لا يخفى على من اشتغل بأصول أصحابنا قال في التنقيح وعندنا العدم لا يثبت بالتعليق بل يبقى الحكم على العدم الأصلي. وأجاب في الهداية عن الحديث بأنه محمول على الخروج عن شهوة قال الشارحون: وإنما حمل على هذا؛ لأن العام إذا لم يمكن إجراؤه على العموم يراد أخص الخصوص لتيقنه، وهنا يمتنع إجراؤه على العموم؛ لأنه لا يجب الغسل بإنزال المذي والودي والبول بالإجماع والإنزال عن شهوة مراد بالإجماع فلا يكون غيره، وهو إنزال المني لا عن شهوة مرادا ولا يخفى أن هذا المسلك لو صح لكان أوفق بقول أبي يوسف؛ لأن أخص الخصوص الذي أريد بالإجماع ما يكون عن شهوة عند الخروج والانفصال جميعا فالأولى ما قدمناه من أنه منسوخ أو محمول على صورة الاحتلام ولما كان ما ذكرناه واردا عدل والله أعلم عن طريقة الشارحين في فتح القدير فقال والحديث محمول على الخروج عن شهوة؛ لأن اللام للعهد الذهني أي الماء المعهود والذي به عهدهم هو الخارج عن شهوة كيف وربما يأتي على أكثر الناس جميع عمره ولا يرى هذا الماء مجردا عنها على أن كون المني يكون عن غير شهوة ممنوع. فإن عائشة أخذت في تفسيرها إياه الشهوة على ما روى ابن المنذر أن المني هو الماء الأعظم الذي منه الشهوة، وفيه الغسل وكذا عن قتادة وعكرمة فلا يتصور مني إلا من خروجه عن شهوة، وإلا يفسد الضابط ثم اتفق أصحاب المذهب أنه لا يجب الغسل إذا انفصل عن مقره من الصلب بشهوة إلا إذا خرج على رأس الذكر، وإنما الخلاف في أنه هل يشترط مقارنة الشهوة الخروج فعند أبي يوسف نعم وعندهما لا وقد أشار إلى اختيار قولهما بقوله عند انفصاله أي فرض الغسل عند خروج مني موصوف بالدفق والشهوة عند الانفصال عن محله عندهما وجه قول أبي يوسف إن وجوب الغسل متعلق بانفصال المني وخروجه وقد شرطت الشهوة عند انفصاله فتشترط عند خروجه، ولهما أن الجنابة قضاء الشهوة بالإنزال فإذا وجدت مع الانفصال صدق اسمها، وكان مقتضى هذا ثبوت حكمها، وإن لم يخرج لكن لا خلاف في عدم ثبوت الحكم إلا بالخروج فيثبت بذلك الانفصال من وجه، وهو أقوى مما بقي واحتياط واجب، وهو العمل بالأقوى من الوجهين، فوجب وأورد في النهاية الريح الخارجة من المفضاة؛ لأنها إن خرجت من القبل لا يجب الوضوء وإن خرجت من الدبر وجب فينبغي ترجيح جانب الوجوب احتياطا كما قالا هنا. وأجاب بأن الشك هناك جاء من الأصل فتعارض الدليل الموجب وغير الموجب لتساويهما في القوة فتساقطا فعملنا بالأصل الثابت بيقين، وهو الطهارة أما هنا جاء دليل عدم الوجوب من الوصف، وهو الدفق ودليل الوجوب من الأصل، وهو نفس وجود الماء مع الشهوة، فكان في إيجاب الاغتسال ترجيح لجانب الأصل على جانب الوصف، وهو صحيح؛ لأن دليل الوجوب قد سبق هنا، وهو مزايلة المني عن مكانه على سبيل الشهوة وخروجه من العضو لا على سبيل الدفق بقاء ذلك والسبق من أسباب الترجيح فترجح جانب الوجوب لذلك وأما هناك فاقترن الدليلان على سبيل المدافعة فلا يثبت الحكم الحادث لتدافعهما بل يبقى ما كان على ما كان وفي المصفى وثمرة الاختلاف تظهر في ثلاث فصول أحدها أن من احتلم فأمسك ذكره حتى سكنت شهوته ثم خرج المني يجب الغسل عندهما خلافا له. والثاني: إذا نظر إلى امرأة بشهوة فزال المني عن مكانه بشهوة فأمسك ذكره حتى انكسرت شهوته ثم سال بعد ذلك لا عن دفق فعلى هذا الخلاف والثالث أن المجامع إذا اغتسل قبل أن يبول أو ينام ثم سال منه بقية المني من غير شهوة يعيد الاغتسال عندهما خلافا له فلو خرج بقية المني بعد البول أو النوم أو المشي لا يجب الغسل إجماعا؛ لأنه مذي وليس بمني؛ لأن البول والنوم والمشي يقطع مادة الشهوة ا هـ. وفي فتح القدير وكذا لا يعيد الصلاة التي صلاها بعد الغسل الأول قبل خروج ما تأخر من المني اتفاقا وقيد المشي بالكثير في المجتبى وأطلقه كثير والتقييد أوجه؛ لأن الخطوة والخطوتين لا يكون منهما ذلك كما لا يخفى وفي المبتغى بخلاف المرأة يعني تعيد تلك الصلاة إذا كانت مكتوبة إذا اغتسلت ثانيا بخروج بقية منيها وفيه نظر ظاهر والذي يظهر أنها كالرجل وفي المستصفى يعمل بقول أبي يوسف إذا كان في بيت إنسان واحتلم مثلا ويستحيي من أهل البيت أو خاف أن يقع في قلبهم ريبة بأن طاف حول أهل بيتهم ا هـ. وفي السراج الوهاج والفتوى على قول أبي يوسف في الضيف وعلى قولهما في غيره ا هـ. ولو خرج مني بعد البول وذكره منتشر وجب الغسل وإن لم يكن ذكره منتشرا لا يجب الغسل كذا في فتاوى قاضي خان وغيره ومحله إذا وجد الشهوة يدل عليه تعليله في التجنيس بأن في حالة الانتشار وجد الخروج والانفصال جميعا على وجه الدفق والشهوة، وهذا يفيد إطلاق ما قدمنا من أن المني الخارج بعد البول لا يوجب الغسل إجماعا قيل وعلى الخلاف المتقدم مستيقظ وجد بثوبه أو فخذه بللا ولم يتذكر احتلاما وشك في أنه مذي أو مني يجب عندهما لاحتمال انفصاله عن شهوة ثم نسي ورق هو بالهواء خلافا له وفيه نظر فإن هذا الاحتمال ثابت في الخروج كذلك كما هو ثابت في الانفصال كذلك فالحق أنها ليست بناء على الخلاف بل هو يقول لا يثبت وجوب الغسل بالشك في وجود الموجب وهما احتاطا لقيام ذلك الاحتمال وقياسا على ما لو تذكر الاحتلام، ورأى ماء رقيقا حيث يجب اتفاقا حملا للرقة على ما ذكرنا، وقوله أقيس وأخذ به خلف بن أيوب وأبو الليث كذا في فتح القدير واعلم أن هذه المسألة على اثني عشر وجها؛ لأنه إما أن يتيقن أنه مني أو مذي أو ودي أو شك في الأول والثاني أو في الأول والثالث أو في الثاني والثالث وكل من هذه الستة إما أن تكون مع تذكر الاحتلام أو لا فيجب الغسل اتفاقا فيما إذا تيقن أنه مني وتذكر الاحتلام أو لا وفيما إذا تيقن أنه مذي وتذكر الاحتلام أو شك أنه مني أو مذي أو مني أو ودي. أو مذي أو ودي وتذكر الاحتلام في الكل ولا يجب الغسل اتفاقا فيما إذا تيقن أنه ودي تذكر الاحتلام أو لا أو شك أنه مذي أو ودي ولم يتذكر الاحتلام أو تيقن أنه مذي ولم يتذكر الاحتلام، ويجب الغسل عندهما لا عند أبي يوسف فيما إذا شك أنه مني أو مذي أو مني أو ودي ولم يتذكر الاحتلام فيهما، وهذا التقسيم، وإن لم أجده فيما رأيت لكنه مقتضى عبارتهم لكن قال في فتح القدير التيقن متعذر مع النوم وفي الخلاصة ولسنا نوجب الغسل بالمذي لكن المني يرق بإطالة المدة فتصير صورته صورة المذي لا حقيقة المذي ا هـ. وهذا كله في النائم إذا استيقظ فوجد بللا أما إذا غشي عليه فأفاق فوجد مذيا أو كان سكران فأفاق فوجد مذيا لا غسل عليه اتفاقا كذا في الخلاصة وغيرها والفرق بأن المني والمذي لا بد له من سبب وقد ظهر في النوم تذكر أو لا؛ لأن النوم مظنة الاحتلام فيحال عليه ثم يحتمل أنه مني رق بالهواء أو للغذاء فاعتبرناه منيا احتياطا ولا كذلك السكران والمغمى عليه؛ لأنه لم يظهر فيهما هذا السبب ولو وجد الزوجان بينهما ماء دون تذكر ولا مميز بأن لم يظهر غلظه ورقته ولا بياضه وصفرته يجب عليهما الغسل صححه في الظهيرية ولم يذكروا القيد فقالوا يجب عليهما وقيل إذا كان غليظا أبيض فعليه أو رقيقا أصفر فعليها فيقيدونه بصورة نقل الخلاف، والذي يظهر تقييد الوجوب عليهما بما ذكرنا فلا خلاف إذن كذا في فتح القدير وينبغي أن يقيد أيضا بما إذا لم يظهر كونه وقع طولا أو عرضا، فإن بعضهم قال إن وقع طولا فمن الرجل وإن وقع عرضا فمن المرأة، ولعله لضعف هذا النوع من التمييز عنده أعرض عنه، وليس ببعيد فيما يظهر، والقياس أنه لا يجب الغسل على واحد منهما لوقوع الشك، وإذا لم يجب عليهما لا يجوز لها أن تقتدي به، والوجه فيه ظاهر ولا يخفى أن هذا كله فيما إذا لم يكن الفراش قد نام عليه غيرهما قبلهما، وأما إذا كان قد نام عليه غيرهما، وكان المني المرئي يابسا فالظاهر أنه لا يجب الغسل على واحد منهما، ولو احتلمت المرأة، ولم يخرج الماء إلى ظاهر فرجها عن محمد يجب وفي ظاهر الرواية لا يجب؛ لأن خروج منيها إلى فرجها الخارج شرط لوجوب الغسل عليها، وعليه الفتوى كذا في معراج الدراية والذي حرره في فتح القدير وقال إنه الحق الاتفاق على تعلق وجوب الغسل بوجود المني في احتلامهما والقائل بوجوبه في هذه الخلافية إنما يوجبه على وجوده، وإن لم تره فالمراد بعدم الخروج في قولهم ولم يخرج منها لم تره خرج فعلى هذا الأوجه وجوب الغسل في الخلافية والمراد بالرؤية في جواب النبي صلى الله عليه وسلم أم سليم لما «سألته هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت قال نعم إذا رأت الماء» العلم مطلقا، فإنها لو تيقنت الإنزال بأن استيقظت في فور الاحتلام فأحست بيدها البلل ثم نامت فاستيقظت حتى جف فلم تر بعينها شيئا لا يسع القول بأن لا غسل عليها مع أنه لا رؤية بصر بل رؤية علم ورأى تستعمل حقيقة في علم باتفاق أهل اللغة قال: رأيت الله أكبر كل شيء ا هـ. ولو جومعت فيما دون الفرج فسبق الماء إلى فرجها أو جومعت البكر لا غسل عليها إلا إذا ظهر الحبل؛ لأنها لا تحبل إلا إذا أنزلت وتعيد ما صلت إن لم تكن اغتسلت؛ لأنه ظهر أنها صلت بلا طهارة ولو جومعت فاغتسلت ثم خرج منها مني الرجل لا غسل عليها ولو قالت معي جني يأتيني في النوم مرارا وأجد ما أجد إذا جامعني زوجي لا غسل عليها وفي فتح القدير ولا يخفى أنه مقيد بما إذا لم تر الماء، فإن رأته صريحا وجب كأنه احتلام وقد يقال ينبغي وجوب الغسل من غير إنزال لوجود الإيلاج؛ لأنها تعرف أنه يجامعها كما لا يخفى ولا يظهر هذا الاشتراط إلا إذا لم يظهر لها في صورة الآدمي وفي فتاوى قاضي خان إذا استيقظ فوجد بللا في إحليله وشك في أنه مني أو مذي فعليه الغسل إلا إذا كان ذكره منتشرا قبل النوم فلا يلزمه الغسل إلا أن يكون أكبر رأيه أنه مني فيلزمه الغسل وهذه المسألة يكثر وقوعها والناس عنها غافلون وهذه تقيد الخلاف المتقدم بين أبي يوسف وصاحبيه بما إذا لم يكن ذكره منتشرا ثم إن أبا حنيفة في هذه المسألة ومسألة المباشرة الفاحشة ومسألة الفأرة المنتفخة أخذ بالاحتياط وأبا يوسف وافقه في الاحتياط في مسألة المباشرة الفاحشة لوجود فعل هو سبب خروج المذي وخالفه في الفصلين الأخيرين لانعدام الفعل منه ومحمدا وافقه في الاحتياط في مسألة النائم؛ لأنه غافل عن نفسه فكان عنده موضع الاحتياط بخلاف الفصلين الأخيرين، فإن المباشر ليس بغافل عن نفسه فيحس بما يخرج منه كذا في المبسوط وفي المحيط ولو أن رجلا عزبا به فرط شهوة له أن يستمني بعلاج لتسكن شهوته ولا يكون مأجورا عليه ليته ينجو رأسا برأس هكذا روي عن أبي حنيفة وفي الخلاصة معزيا إلى الأصل المراهق لا يجب عليه الغسل لكن يمنع من الصلاة حتى يغتسل وكذا لو أراد الصلاة بدون الوضوء وكذا المراهقة ا هـ. وفي القنية لو أنزل الصبي مع الدفق، وكان سبب بلوغه فالظاهر أنه لا يلزمه الغسل ا هـ. قال بعض المتأخرين ولا يخفى أنه على هذا لا بد من توجيه المتون ولم يذكر توجيها وقد يقال إن غير المكلف مخصوص من إطلاق عباراتهم فقولهم وموجبه إنزال مني معناه أن إنزال المني موجب للغسل على المكلف لا على غيره وسيأتي خلاف هذا في آخر بحث الغسل إن شاء الله تعالى. واعلم أنه كما ينتقض الوضوء بنزول البول إلى القلفة يجب الغسل بوصول المني إليها ذكره في البدائع. (قوله: وتواري حشفة في قبل أو دبر عليهما) أي وفرض الغسل عند غيبوبة ما فوق الختان، وكذلك غيبوبة مقدار الحشفة من مقطوعها في قبل امرأة يجامع مثلها أو دبر على الفاعل والمفعول به، وإن لم ينزل والتعبير بغيبوبة الحشفة أولى من التعبير بالتفاء الختانين لتناوله الإيلاج في الدبر؛ ولأن الثابت في الفرج محاذاتهما لا التقاؤهما؛ لأن ختان الرجل هو موضع القطع، وهو ما دون مؤخرة الحشفة وختان المرأة موضع قطع جلدة منها كعرف الديك فوق الفرج وذلك؛ لأن مدخل الذكر هو مخرج المني والولد والحيض وفوق مدخل الذكر مخرج البول كإحليل الرجل وبينهما جلدة رقيقة يقطع منها في الختان فحصل أن ختان المرأة متسفل تحت مخرج البول وتحت مخرج البول مدخل الذكر فإذا غابت الحشفة في الفرج فقد حاذى ختانه ختانها ولكن يقال لموضع ختان المرأة الخفاض فذكر الختانين بطريق التغليب قيد بالتواري؛ لأن مجرد التلاقي لا يوجب الغسل ولكن ينقض الوضوء على الخلاف المتقدم وقيدنا بكونه في قبل امرأة؛ لأن التواري في فرج البهيمة لا يوجب الغسل إلا بالإنزال وقيدنا بكونها يجامع مثلها؛ لأن التواري في الميتة والصغيرة لا يوجب الغسل إلا بالإنزال وقد تقدم الدليل من السنة والإجماع على وجوب الغسل بالإيلاج وإن لم يكن معه إنزال، وهو بعمومه يشمل الصغيرة والبهيمة، وإليه ذهب الشافعي لكن أصحابنا رضي الله عنهم منعوه إلا أن ينزل؛ لأن وصف الجنابة متوقف على خروج المني ظاهرا أو حكما عند كمال سببه مع خفاء خروجه لقلته وتكسله في المجرى لضعف الدفق بعدم بلوغ الشهوة منتهاها كما يجده المجامع في أثناء الجماع من اللذة بمقاربة المزايلة فيجب حينئذ إقامة السبب مقامه، وهذا علة كون الإيلاج فيه الغسل فتعدى الحكم إلى الإيلاج في الدبر وعلى الملاط به إذ ربما يتلذذ فينزل ويخفى لما قلنا وأخرجوا ما ذكرنا لكنه يستلزم تخصيص النص بالمعنى ابتداء كذا في فتح القدير وحاصله أن الموجب إنزال المني حقيقة أو تقديرا عند كمال سببه، وفيما ذكرناه لم يوجد حقيقة ولا تقديرا لنقصان سببه لكن هذا يستلزم تخصيص النص بالمعنى ابتداء والعام لا يخصص بالمعنى ابتداء عندنا فيحتاج أئمتنا إلى الجواب عن هذا ويحتاجون أيضا إلى الجواب عما ذكره النووي في شرح المهذب بأنه ينتقض بوطء العجوز الشوهاء المتناهية في القبح العمياء البرصاء المقطعة الأطراف فإنه يوجب الغسل بالاتفاق مع أنه لا يقصد به لذة في العادة ولم أجد عن هذين الإيرادين جوابا وقد ظهر لي في الجواب عن الأول أن هذا ليس تخصيصا للنص بالمعنى ابتداء وبيانه يحتاج إلى مزيد كشف فأقول: وبالله التوفيق إنه قد ورد حديثان ظاهرهما التعارض الأول الماء من الماء ومقتضاه أن الغسل لا يجب بالتقاء الختانين من غير إنزال، فإن الماء اسم جنس محلى فاللام الاستغراق فمعناه جميع الاغتسال من المني فيما يتعلق بعين الماء لا مطلقا لوجوبه بالحيض والنفاس. والثاني: حديث: «إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل، وإن لم ينزل» ومقتضاه عموم وجوب الغسل بغيبوبة الحشفة من غير إنزال فيشمل الصغيرة والبهيمة والميتة فيعارض الأول وإذا أمكن العمل بهما وجب فقال علماؤنا إن الموجب للغسل هو إنزال المني كما أفاده الحديث الأول لكن المني تارة يوجد حقيقة وتارة يوجد حكما عند كمال سببه وهو غيبوبة الحشفة في محل يشتهى عادة مع خفاء خروجه ولو كان في الدبر لكمال السببية فيه؛ لأنه سبب لخروج المني غالبا كالإيلاج في القبل لاشتراكهما لينا وحرارة وشهوة حتى إن الفسقة اللواطة رجحوا قضاء الشهوة من الدبر على قضائها من القبل ومنه خبرا عن قوم لوط: {لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد} وفي الصغيرة ونحوها لم يكن الإيلاج سببا كاملا لإنزال المني لعدم الداعية إليه فلم يوجد إنزال المني حقيقة ولا تقديرا فلو قلنا بالوجوب من غير إنزال لكان فيه ترك العمل بالحديث أصلا، وهو لا يجوز فكان هذا منا قولا بموجب العلة لا تخصيصا للنص بالقياس ابتداء وكون إنزال المني هو الموجب، وهو إما حقيقة أو تقديرا هو الذي ذكره مشايخنا في أصولهم في بحث المفاهيم قاطعين النظر عن كون الماء من الماء منسوخا كما لا يخفى وجواب آخر أنه يجوز تخصيص النص العام بالمعنى ابتداء عند جمهور الفقهاء منهم الشيخ أبو منصور ومن تابعه من مشايخ سمرقند؛ لأن موجبه عندهم ليس بقطعي وأكثر أصحابنا يمنعونه لكونه عندهم قطعيا والقياس ظني أما إذا كان العام ظنيا جاز تخصيصه بالقياس ابتداء وما نحن فيه من هذا القبيل؛ لأنه ظني الثبوت، وإن كان قطعي الدلالة وأما الجواب عن الثاني فلا نسلم أن المحل لا يشتهى ولئن سلم فاجتماع هذه الأوصاف الشنيعة في امرأة نادر ولا اعتبار به هذا، وقد ذكر في المبتغى خلافا فيمن غابت الحشفة في فرجه فقال وقيل لا غسل عليه كالبهيمة والمراد بالفرج الدبر ونقله في فتح القدير ولم يتعقبه وقد يقال إنه غير صحيح فقد قال في غاية البيان واتفقوا على وجوب الغسل من الإيلاج في الدبر على الفاعل والمفعول به ا هـ. وجعل الدبر كالبهيمة بعيد جدا كما لا يخفى وفي فتح القدير أن في إدخال الإصبع الدبر خلافا في إيجاب الغسل فليعلم ذلك ا هـ. وقد أخذه من التجنيس ولفظه رجل أدخل إصبعه في دبره، وهو صائم اختلفوا في وجوب الغسل والقضاء والمختار أنه لا يجب الغسل ولا القضاء؛ لأن الإصبع ليس آلة للجماع فصار بمنزلة الخشبة ذكره في الصوم وقد حكى عن السراج الوهاج خلافا في وطء الصغيرة التي لا تشتهى فمنهم من قال يجب مطلقا ومنهم من قال لا يجب مطلقا والصحيح أنه إذا أمكن الإيلاج في محل الجماع من الصغيرة ولم يفضها فهي ممن تجامع فيجب الغسل وعزاه للصيرفي في الإيضاح وقد يقال إن بقاء البكارة دليل على عدم الإيلاج فلا يجب الغسل كما اختاره في النهاية معزيا إلى المحيط ولو لف على ذكره خرقة وأولج ولم ينزل قال بعضهم يجب الغسل؛ لأنه يسمى مولجا وقال بعضهم لا يجب والأصح إن كانت الخرقة رقيقة بحيث يجد حرارة الفرج واللذة وجب الغسل وإلا فلا والأحوط وجوب الغسل في الوجهين، وإن أولج الخنثى المشكل ذكره في فرج امرأة أو دبرها فلا غسل عليهما لجواز أن يكون امرأة، وهذا الذكر منه زائد فيصير كمن أولج إصبعه وكذا في دبر رجل أو فرج خنثى لجواز أن يكونا رجلين والفرجان زائدان منهما وكذا في فرج خنثى مثله لجواز أن يكون الخنثى المولج فيه رجلا والفرج زائد منه، وإن أولج رجل في فرج خنثى مشكل لم يجب الغسل عليه لجواز أن يكون الخنثى رجلا والفرج منه بمنزلة الجرح، وهذا كله إذا كان من غير إنزال أما إذا أنزل وجب الغسل بالإنزال كذا في السراج الوهاج، وهذا لا يرد على المصنف؛ لأن كلامه في حشفة وقبل محققين والله أعلم بالصواب. (قوله: وحيض ونفاس) أي وفرض الغسل عند حيض ونفاس وقد اختلف رأي المصنف في كتبه هل الموجب الحيض أو انقطاعه فاختار في المستصفى أن الموجب رؤية الدم أو خروجه وعلل بأن الدم إذا حصل نقض الطهارة الكبرى ولم يجب الغسل مع سيلان الدم؛ لأنه ينافيه، فإذا انقطع أمكن الغسل فوجب لأجل ذلك الحدث السابق، فأما الانقطاع فهو طهارة فلا يوجب الطهارة واختار في الكافي أن الموجب انقطاع الدم لا خروجه؛ لأن عنده لا يجب، وإنما يجب عند الانقطاع ونقل نظيره في المستصفى عن أستاذه وعلل له بأن الخروج منه مستلزم للحيض فقد وجد الاتصال بينهما فصحت الاستعارة وفي غاية البيان هذا والله من عجائب الدنيا؛ لأنه إذا كان الخروج ملزوما والحيض لازما يلزم أن يوجد الحيض عند وجود الخروج لاستحالة انفكاك اللازم عن الملزوم ووجود الحيض عند وجوده محال بمرة ا هـ. أقول: ليس في هذا شيء من العجب وما العجب إلا فهم الكلام على وجه يتوجه عليه الاعتراض ولو فهم أن الخروج من الحيض مستلزم لتقدم الحيض لا لنفس الحيض لاستغنى عن هذا الاعتراض واستبعد الزيلعي كون الانقطاع سببا؛ لأنه ليس فيه إلا الطهارة، ومن المحال أن توجب الطهارة الطهارة، وإنما توجبها النجاسة ويدفع هذا الاستبعاد بأن الانقطاع نفسه ليس بطهر إنما الطهر الحالة المستمرة عقيبه ولو سلم فلما كان الانقطاع لا بد منه في وجوب الغسل إذ لا فائدة في الغسل بدونه نسبت السببية إليه، وإن كان السبب في الحقيقة خروج الدم. والحاصل أنهم اختلفوا هل الغسل يجب بخروج الدم بشرط الانقطاع أو يجب بنفس الانقطاع ورجح بعضهم الثاني بأن الحيض اسم لدم مخصوص والجوهر لا يكون سببا للمعنى والحق غير القولين بل إنما يجب بوجوب الصلاة كما قدمناه في الوضوء والغسل وقد نقل الشيخ سراج الدين الهندي الإجماع على أنه لا يجب الوضوء على المحدث والغسل على الجنب والحائض والنفساء قبل وجوب الصلاة أو إرادة ما لا يحل إلا به فحينئذ لا فائدة لهذا الخلاف من جهة الإثم، فإنهم اتفقوا على عدم الإثم قبل وجوب الصلاة فظهر بهذا ضعف ما نقله في السراج الوهاج من أنه جعل فائدة الخلاف تظهر فيما إذا انقطع الدم بعد طلوع الشمس وأخرت الغسل إلى وقت الظهر فعند الكرخي وعامة العراقيين تأثم وعند البخاريين لا تأثم وعلى هذا الخلاف وجوب الوضوء فعند العراقيين يجب الوضوء للحدث وعند البخاريين للصلاة ا هـ. وقد يقال إن فائدته تظهر في التعاليق كأن يقول إن وجب عليك غسل فأنت طالق وقد ظهر لي فائدة أخرى، وهي ما إذا استشهدت قبل انقطاع الدم فمن قال السبب نفس الحيض قال إنها تغسل؛ لأن الشهادة لا ترفع ما وجب قبل الموت كالجنابة ومن قال إن السبب انقطاعه قال لا تغسل لعدم وجوب الغسل قبل الموت وقد صحح في الهداية في باب الشهيد أنها تغسل فكان تصحيحا لكون السبب الحيض كما لا يخفى، وأما دليل وجوب الغسل من الحيض والنفاس فالإجماع نقله صاحب البدائع من أئمتنا والنووي في شرح المهذب عن ابن المنذر وابن جرير الطبري واستدل بعضهم للحيض بقوله تعالى: {ولا تقربوهن حتى يطهرن} ووجه الدلالة أنه يلزمها تمكين الزوج من الوطء ولا يجوز ذلك إلا بالغسل وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وإذا ثبت هذا فيما دون العشرة ثبت في العشرة بدلالة النص؛ لأن وجوب الاغتسال لأجل خروج الدم وقد وجد في العشرة، فإن قيل إنما وجب الاغتسال فيما دون العشرة لتتأكد به صفة الطهارة عن الحيض وزوال الأذى ليثبت الحل للزوج ولهذا يثبت الحل بمضي وقت صلاة عليها، وإن لم تغتسل لوجود التأكد بصيرورة الصلاة دينا عليها، وفي العشرة قد تأكد صفة الطهارة بنفس الانقطاع، فانعدم المعنى الموجب فلا يمكن الإلحاق بطريق الدلالة كما لا يمكن إثبات الحد باللواطة بمعنى الحرمة لانعدام المعنى الموجب للحد بعد الحرمة، وهو كثرة الوقوع قلنا ليس كذلك بل المعنى الموجب موجود؛ لأنه إما الحدث أو إرادة الصلاة على الخلاف، وكلاهما ثابت هنا فأما الفرق الذي يدعيه، فإنما يثبت إذا كان وجوب الاغتسال لثبوت الحل، وليس كذلك ألا ترى أنها لو لم تكن ذات زوج وجب عليها الاغتسال مع انعدام المعنى الذي يدعيه ولكنه وإن وجب بسبب آخر جعل غاية للحرمة فيما دون العشرة، فإن الحيض به ينتهي فتنتهي الحرمة المبنية عليه فعرفنا بعبارة النص في قراءة التشديد حرمان القربان مغيا إلى الاغتسال فيما دون العشرة وبإشارته وجوب الاغتسال وبدلالته وجوبه في العشرة كذا في معراج الدراية معزيا إلى شيخه العلامة ويدل عليه أيضا حديث فاطمة بنت أبي حبيش: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي» رواه البخاري ومسلم عن عائشة وفي بعض الروايات: «فاغسلي عنك الدم وصلي» وفي البدائع ولا نص في النفاس وإنما عرف بالإجماع ثم إجماعهم يجوز أن يكون على خبر في الباب لكنهم تركوا نقله اكتفاء بالإجماع ويجوز أن يكون بالقياس على دم الحيض لكون كل منهما دما خارجا من الرحم ا هـ. والمذكور في الأصول أن الإجماع في كل حادثة لا يتوقف على نص على الأصح وفي الكافي للحاكم الشهيد، وإذا أجنبت المرأة ثم أدركها الحيض، فإن شاءت اغتسلت، وإن شاءت أخرت حتى تطهر وعند مالك عليها أن تغتسل بناء على أصله أن الحائض لها أن تقرأ القرآن ففي اغتسالها من الجنابة هذه الفائدة. (قوله: لا مذي وودي واحتلام بلا بلل) بالجر عطف على مني أي لا يفترض الغسل عند هذه الأشياء أما المذي ففيه ثلاث لغات المذي بإسكان الذال وتخفيف الياء والمذي بكسر الذال وتشديد الياء وهاتان مشهورتان. قال الأزهري وغيره التخفيف أفصح وأكثر والثالثة المذي بكسر الذال وإسكان الياء حكاها أبو عمر الزاهد في شرح الفصيح عن ابن الأعرابي ويقال مذى بالتخفيف وأمذى ومذى بالتشديد والأول أفصح، وهو ماء أبيض رقيق يخرج عند شهوة لا بشهوة ولا دفق ولا يعقبه فتور وربما لا يحس بخروجه، وهو أغلب في النساء من الرجال. وفي بعض الشروح أن ما يخرج من المرأة عند الشهوة يسمى القذى بمفتوحتين والودي بإسكان الدال المهملة وتخفيف الياء ولا يجوز عند جمهور أهل اللغة غير هذا وحكى الجوهري في الصحاح عن الأموي أنه قال بتشديد الياء وحكى صاحب مطالع الأنوار لغة أنه بالذال المعجمة، وهذان شاذان يقال ودى بتخفيف الدال وأودى وودى بالتشديد والأول أفصح، وهو ماء أبيض كدر ثخين يشبه المني في الثخانة ويخالفه في الكدورة ولا رائحة له ويخرج عقيب البول إذا كانت الطبيعة مستمسكة وعند حمل شيء ثقيل ويخرج قطرة أو قطرتين ونحوهما وأجمع العلماء أنه لا يجب الغسل بخروج المذي والودي كذا في شرح المهذب. وإذا لم يجب بهما الغسل وجب بهما الوضوء وفي المذي حديث علي المشهور الصحيح الثابت في البخاري ومسلم وغيرهما فإن قيل ما فائدة إيجاب الوضوء بالودي وقد وجب بالبول السابق عليه قلنا عن ذلك أجوبة أحدها فائدته فيمن به سلس البول، فإن الودي ينقض وضوءه دون البول ثانيها فيمن توضأ عقب البول قبل خروج الودي ثم خرج الودي فيجب به الوضوء ثالثها يجب الوضوء لو تصور الانتقاض به كما فرع أبو حنيفة مسائل المزارعة لو كان يقول بجوازها قال في الغاية وفيه ضعف ورابعها الودي ما يخرج بعد الاغتسال من الجماع وبعد البول، وهو شيء لزج كذا فسره في الخزانة والتبيين فالإشكال إنما يرد على من اقتصر في تفسيره على ما يخرج بعد البول خامسها أن وجوب الوضوء بالبول لا ينافي الوجوب بالودي بعده ويقع الوضوء عنهما حتى لو حلف لا يتوضأ من رعاف فرعف ثم بال أو عكسه فتوضأ فالوضوء منهما فيحنث وكذا لو حلفت لا تغتسل من جنابة أو حيض فجامعها زوجها وحاضت فاغتسلت فهو منهما وتحنث، وهذا ظاهر الرواية وقال الجرجاني الطهارة من الأولى دون الثاني مطلقا وقال الهندواني إن اتحد الجنس كأن بال ثم بال فالوضوء من الأول وإن اختلف كأن بال ثم رعف فالوضوء منهما ذكره في الذخيرة وقد رجح المحقق في فتح القدير تبعا للآمدي قول الجرجاني؛ لأن الناقض يثبت الحدث ثم تجب إزالته عند وجود شروطه، وهو أمر واحد لا تعدد في أسبابه، فالثابت بكل سبب هو الثابت بالآخر إذ لا دليل يوجب خلاف ذلك فالناقض الأول لما أثبت الحدث لم يعمل الثاني شيئا لاستحالة تحصيل الحاصل نعم لو وقعت الأسباب دفعة أضيف ثبوته إلى كلها ولا ينفي ذلك كون كل علة مستقلة لأن معنى الاستقلال كون الوصف بحيث لو انفرد أثر وهذه الحيثية ثابتة لكل في حال الاجتماع، وهذا أمر معقول يجب قبوله والحق أحق أن يتبع ويجب حمله على الحكم بتعدد الحكم هنا، ولا يستلزم أن يقال به في كل موضع؛ لأنه يرفع وقوع تعدد العلل بحكم واحد وهم في الأصول يثبتونه، وأما الاحتلام فهو افتعال من الحلم بضم الحاء وإسكان اللام، وهو ما يراه النائم من المنامات يقال: حلم في منامه بفتح الحاء واللام واحتلم وحلمت كذا وحلمت بكذا هذا أصله ثم جعل اسما لما يراه النائم من الجماع فيحدث معه إنزال المني غالبا فغلب لفظ الاحتلام في هذا دون غيره من أنواع المنام لكثرة الاستعمال وحكمه عدم وجوب الغسل إذا لم ينزل لما روى البخاري ومسلم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: «جاءت أم سليم امرأة أبي طلحة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت قال نعم إذا رأت الماء» ونقل النووي في شرح المهذب عن ابن المنذر الإجماع عليه، وأما ما استدل به في بعض الشرح ومن حديث عائشة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يجد البلل ولا يذكر الاحتلام قال يغتسل وعن الرجل يرى أنه احتلم ولا يجد البلل قال لا غسل عليه» فهو وإن كان مشهورا رواه الدارمي وأبو داود والترمذي وغيرهم لكنه من رواية عبد الله بن عمر العمري وهو ضعيف عند أهل العلم لا يحتج بروايته ويغني عنه حديث أم سليم المتقدم،، فإنه يدل على جميع ما يدل عليه هذا هكذا في شرح المهذب ولا يقال إن الاستدلال بحديث أم سليم صحيح على مذهب من يقول بمفهوم الشرط وأنتم لا تقولون به؛ لأنا نقول إن الحكم معلق بالشرط، فإذا عدم الشرط انعدم الحكم بالعدم الأصلي لا بأن عدم الشرط أثر في عدم الحكم كما تقدم.
|